التغذية السليمة للأطفال


في ظل الانتشار الواسع للمنتجات غير الصحية التي تضر بصحة الكبار والصغار؛ فإن كثير من الشركات التي تصنع منتجات غير صحية تستهدف الأطفال والمراهقين بشكل واسع عن طريق وضع شخصيات
كرتونية مفضلة لهم على غلاف المنتج أو الظهور في إعلانات بطريقة تجذب الأطفال، فكيف نحافظ على صحة أطفالنا ونهتم بغذائهم وفي نفس الوقت نرضي ذائقتهم؟



واهتمامهم على أطفالهم في هذه المرحلة، فقد يُشكل إهمال التغذية في هذه المرحلة خطورة على صحة الطفل مثل تعرضه لأمراض مزمنة أو التأثير على قدراته العقلية أو حتى قوة بنيته الجسدية.
على مستوى العالم هناك ١ من بين كل ٣ أطفال لا ينمو نمو سليم بسبب سوء التغذية (زيادة وزن، نحافة، تقزم..). كما أنه في الآونة الأخيرة انتشرت السمنة بين الأطفال والتي أدت إلى انتشار
الإصابة بالسكري النوع الثاني بين الأطفال والذي كان يقتصر على الكبار فقط وذلك نتيجة لاستهلاكهم للسعرات الحرارية الفارغة؛ حيث أثبتت الدراسات أن 40% من السعرات الحرارية التي
يتناولها الأطفال دون سن التاسعة هي سعرات فارغة؛ أي تفتقر العناصر الغذائية اللازمة لعمليات النمو الجسدي والعقلي وإنتاج الطاقة، يعود السبب في ذلك هو استهلاك الأطفال والمراهقين
للوجبات السريعة التي تقدمها أغلب المطاعم المفضلة لديهم. ثم أثبتت دراسة أخرى أن نسبة الأطفال من 4 إلى 6 سنوات الذين يتناولون احتياجهم الكافي من الخضروات والفواكه لا يتعدوا 15%
فقط من إجمالي عدد الأطفال في العالم



التحصيل الدراسي المرتفع والتغذية السليمة هم وجهان لعملة واحدة، فالتغذية السليمة تساعد الطفل على الاستيعاب والتجاوب والفهم والحفظ لأن ارتفاع القيم الغذائية يعادل ارتفاع التحصيل
الدراسي، أشارت الدراسات أن الوجبات المدرسية تفتقر العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل لهذا يجب السعي في تحسين الوجبات المدرسية وزيادة الوعي الصحي للأطفال وأسرهم



هنالك عوامل أخرى تؤخذ بالاعتبار بجانب الاهتمام بتغذية الطفل مثل الصحة النفسية والنوم والنشاط البدني وغيرها، فمن حيث الجانب النفسي فإن الطفل الذي يتناول طعامه في بيئة تسودها
الهدوء والطمأنينة نجد أن جهازه الهضمي يعمل بشكل أفضل مقارنةً بالطفل الذي يعيش في جو أسري سلبي، خاصةً حين يعيش الطفل في حالة من الضغوطات النفسية والتعليقات السلبية أو الساخرة
حول الطفل مثل التعليق على جسمه أو شكله أو مقارنته بالأطفال الآخرين ونتيجةً لذلك نجد في معظم الأحيان أن علاقة الطفل بالطعام هي علاقة عاطفية لا أكثر. يوجد ترابط عميق بين ردة فعل
الجهاز الهضمي تجاه الطعام ونفسية الطفل حيث تظهر بعض الآثار الجانبية مثل مشكلات الهضم والامتصاص التي تظهر على شكل غازات وانتفاخات وتقلصات وآلام المعدة أو مشاكل في الإخراج وهذه
العلاقة تسمى في المجمل بـ Gut-Brain Axis؛ أي محور الدماغ المعوي وهو التأشير الكيميائي الحيوي بين الأمعاء والجهاز المركزي العصبي، لذلك تشير الدراسات إلى خطورة ربط الطعام
بالمكافآت والعقوبات حتى لا يقع الطفل في مشكلة الأكل العاطفي.



أحد العوامل التي أيضًا تساهم في النمو السليم للطفل هو النوم السليم، فالطفل الذي لا ينام بشكل كافٍ لا يستطيع جسده الاستجابة للوظائف الإدراكية والمعرفية بل ويؤثر سلبًا على مناعته
ونشاطه وتركيزه طيلة اليوم، قلة النوم ليلًا ترفع هرمون التوتر (الكورتيزول) الذي بدوره يزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب والتأثير على التحصيل الدراسي وجودة الحياة بصفة عامة.
نأخذ بالحسبان الخطوات التي تساعد الطفل في الحصول على عدد ساعات كافية من النوم؛ مثل الابتعاد عن الشاشات الزرقاء والإضاءة المرتفعة والوجبات الدسمة قبل النوم على الأقل بساعتين،
فالنوم العميق سبب رئيسي في تحسين صحة الطفل وتقوية الجهاز المناعي وتحسين المزاج والتركيز وزيادة النشاط البدني وبالتالي يرتفع تحصيله الدراسي. أفادت الجمعية الكندية للأطفال أن
الطفل كلما كان أصغر بالعمر احتاج عدد ساعات نوم أكثر، فعلى سبيل المثال؛ حديثي الولادة إلى عمر الشهرين يحتاجون إلى النوم بما يعادل 16 إلى 18 ساعة يوميًا، بينما من عمر 5 إلى 10
سنوات يحتاجون إلى 10 إلى 12 ساعة يوميًا والمراهقين من 14 إلى 18 سنة يحتاجون من 8 إلى 10 ساعات يوميًا.



أما بالنسبة للنشاط البدني فإنه يجب التوازن بين الطاقة المتناولة من الطعام والطاقة المصروفة (الجهد البدني) للحصول على جسم متوازن، أما إذا كانت حركة الطفل قليلة أو تكاد أن تكون
معدومة مع تناول كمية كبيرة من السعرات فإن ذلك قد يكون من أحد أهم مسببات السمنة المفرطة. السعرات الحرارية المفيدة تمد جسم الطفل بالطاقة والمغذيات المهمة في عملية البناء وهي
السعرات الحرارية الموجودة في الفواكه والخضروات واللحوم وليست السعرات الحرارية الفارغة الموجودة في الحلويات والسكريات. الفواكه مثل التفاح على سبيل المثال من الأغذية التي تحتوي
على عناصر غذائية مهمة مثل الفيتامينات والمعادن بالإضافة إلى الألياف التي بدورها لا تجعل الطفل يشعر بالجوع السريع مثلما يحدث أثناء تناول الحلويات التي تسبب الشعور بالجوع الشديد
والرغبة في تناول المزيد بعد فترة قصيرة من تناول هذه الأغذية. أما المصابين بالسكري فإن معدل السكر في الدم لديهم يرتفع بشكل ملحوظ جدًا بعد تناول هذه الوجبات، فالحلويات والسكريات
مليئة بالسعرات الحرارية الفارغة التي تمد الجسم بطاقة غير صحية حيث أنها غنية بالسكريات والدهون التي تجعل حركة الطفل غير طبيعية فقد أشارت الدراسات أن الأطعمة الغنية بالسكريات
والدهون والأصباغ الاصطناعية والمواد الحافظة قد تسبب مشاكل لدى الأطفال وتركيزهم ووعيهم وحتى تؤثر على وظائفهم الإدراكية خصوصا الأطفال المصابون بفرط الحركة و نقص الانتباه مما يجعل
من الصعوبة معرفة ما إذا كان السكر هو السبب أم الإصابة بفرط الحركة.



توصي وزارة الزراعة الأمريكية على أن يحتوي نصف طبق الطفل على فواكه وخضروات والنصف الآخر بروتينات حيوانية أو نباتية بالإضافة إلى الحبوب الكاملة على أن لا تقل حصص الفواكه و
الخضروات عن ٥ حصص يوميا. يحصل الطفل على الطاقة من الحبوب والكربوهيدرات مثل الأرز والمكرونة والخبز ولكن من أجل الحصول على كمية كافية من الألياف فإنه يُفضل أن يتناول الحبوب
الكاملة مثل الخبز الأسمر والكينوا والشوفان والدخن وغيرها. كلٍ من البروتين الحيواني والنباتي يساعدان على بناء أنسجة الجسم ويتميزان بالاختيارات المتنوعة مثل اللحوم الحمراء
والبيضاء والحليب ومشتقاته والبيض والبقوليات بمختلف أنواعها مثل الفاصولياء والعدس والبازلاء والصويا وغيرها.



يحتاج الطفل إلى الدهون الصحية التي تمده بالطاقة حيث تساعد على امتصاص بعض الفيتامينات وإنتاج بعض الهرمونات في الجسم، بالإضافة إلى أهميتها في نمو الطفل ووظائف الدماغ وتكوين المخ
والأعصاب، فالتوصيات تشير إلى أن قلة الدهون تؤثر سلبًا على الأطفال خاصةً من هم دون السنتين. توجد الدهون الصحية في العديد من المواد الغذائية مثل البذور والأسماك الدهنية وزيت
الزيتون وزيت جوز الهند والمكسرات غير المحمصة والأفوكادو وغيرها، فحاجة الطفل لهذا النوع من الدهون الصحية أمر لا بد من الاهتمام به وتجنب الدهون الضارة بقدر الإمكان، حيث أوصت
الهيئة السعودية للغذاء والدواء بالابتعاد عن الدهون المتحولة والمهدرجة والحرص على ألا تزيد نسبتها عن 2% في وجباتنا وهذا ما دفع الهيئة إلى الاشتراط على جميع الشركات وضع ملصقات
توضيحية للمعلومات الغذائية على جميع المنتجات الغذائية و على الأخص ذكر محتواها من الدهون المتحولة والمهدرجة و ملونات الطعام. لذلك يجب الحرص على قراءة البطاقة الغذائية قبل شراء
المنتج، أضف لذلك أنه كلما اتجهنا إلى الأغذية الطازجة كلما ساعد ذلك على ضمان مغذيات أعلى لأطفالنا.



يوجد بعض الاستراتيجيات التثقيفية للأسرة التي يجب اتباعها والاهتمام بها فيما يخص تغذية الأطفال وتوعيتهم تجاه صحتهم، أهم نقطة في هذه الاستراتيجيات هي تشجيع الطفل على تناول الطعام
الصحي وتوضيح مدى ضرر الوجبات السريعة والأطعمة المصنعة والسكريات وغيرها، يجب على الأهل أيضًا الابتعاد عن التعليقات السلبية التي تؤثر على نفسية الطفل وتؤثر أيضًا على صحته العامة
بل وقد تصل إلى أضرار أخرى لا نحمد عقباها. يمكن أن نجعل من الطبخ وسيلة ممتعة يشارك فيها الأطفال من خلال تحضير أطباقهم الصحية بأنفسهم ومن ثم الاستمتاع بتناول وجباتهم التي أعدوها
بالإضافة إلى المعلومات الغذائية القيمة التي تعلموها أثناء تحضير الطعام والنقاش معهم، تساهم هذه العادة أيضًا في رفع حس المسؤولية لدى الطفل من خلال المشاركة في أعمال المنزل
وإفراغ طاقته فيما ينفعه، بالإضافة لاستخدام الطرق المساعدة لتعليمهم مثل الألعاب التي تتطلب تكوين وجبات صحية والكتب والمواقع التعليمية. وأخيرا لا ننسى أننا كآباء وأمهات نعتبر
قدوة للأطفال فاتباع نمط غذائي صحي يبدأ من المنزل.





لمزيد من المعلومات يمكنك زيارة الطبيب في عيادات سابا الطبية


أ. هبة فوال


أخصائي التغذية العلاجية


سابا – شارع الستين



المزيد